مجزوءة السياسة _ مفهوم الحق و العدالة _ المحور الثالث: العدالة بين المساواة و الانصاف

تقديم
ادا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الاختلافات  الموجودة فيما بينهم في المؤهلات والكفاءات و المراتب الاجتماعية، فهل ينبغي تطبيق العدالة فيما بينهم بالتساوي بحيث يكون الناس متساوون؟ أم لابد من إنصاف  كل واحد بحسب ما يستحق؟ بعبارة أخرى  ادا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع ، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده ؟
الجواب عن هذه الأسئلة ، يرى الفيلسوف الفرنسي Alain أنه لا يمكن الحديث عن الحق الا في إطار المساواة بين كل الناس. لأن  القوانين العادلة هي التي يكون الناس جميعهم امامها متساوون والحق لايتجسد الا داخل هذه المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل يعامل الناس بالتساوي فلا فرق بين رجل وامراة التمريض المعاق اوطفل او مسن. انها مساواة بالمعنى المطلق، مساواة بالمعنى الرياضي للكلمة بحيث نقول أن: ا=ب=ج=د...
غير ان هذه المساواة يمكن أن تكون ظالمة أو هاضمة للحقوق .مادام ان واقع الحال يثبت وجود فوارق بين الناس سواء على المستوى الجسدي والعقل فهناك الأقوياء والضعفاء والمرضى والاذكياء  ومن هم دون ذلك .هناك محظوظين المحرومين.هذا هو الواقع الذي تجعله او اتجاهها أطروحة المساواة المطلقة بين الناس. انها اذن أطروحة غير واقعية. تخفي الحقد والكراهية.حقد ذوي الكفاءات والقدرات العالية من طرف من طرف أشخاص في أسفل السلم .لذلك ناقش هذه الأطروحة  الفيلسوف الألماني  "ماكس شيلر" في كتابه"الإنسان  الحاقد"حيث يرى أن الدالة لا تتمثل في المطالبة  بالساواة.لانها مساواة جائرة وظالمة ما دامت لا تراعي الفروق الموجودين الناس ان العدالة المصنفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتأمين قدراتهم ومؤهلاته ومن الظلم ان نطالب بالمساواة المطلقة بين كل الناس لان وراء هذه المطالبة كراهية وحقد على القيم السامية ورغبة دفينة لخفض مستوى الأشخاص المتميزين  الى مستوى   الأشخاص الاقل حضا. 
نستنتج اذن ان الإنصاف خلاف المساواة الى مراعاة الفروق والتفاوتات وعدم طمسها اوتجاوزها لتشجيع المنافسة ومساعدة لاقل حظا ونصيبا. انها تمايزات ايجابية وليست سلبية.
نفس الشيء بالنسبة لارسطو الذي يعتبر الإنصاف  وسيلة لتصحيح أخطاء المساواة كما يتجلى ذلك في الإجتهاد  القضائي حيث يسمح للقضاة تكييف القوانين وفق ظروف النازلة. كما يدخل في باب الإنصاف التمييز الإيجابي وتمييز النساء في المغرب بمنحهن امتياز في الانتخابات حيث فرض المشرع على المجالس المنتخبة ان للنقل فيها تمثيلية النساء على 10/ عشرة في المائة. وهذا تمييز ايجابي
لأن تطبيق المساواة بين الرجال و النساء أظهر ان النساء و لاسباب سوسيوثقافية لا يستطعن أن  يجرون على مقاعد رغم أنهن  يشكلون عاديا أكثر من نصف المجتمع.
هكذا تحقق العدالة بالمساواة والإنصاف معا بحيث يأتي الإنصاف  لتصحيح أخطاء يمكن أن تسببها المساواة.
وخلاصة عامل لمجزوءة السياسة، نستحضر أطروحة  John Rawls جون راولز ففي كتابه" مبادئ العدالة"يتحدث راولز عن العدالة التوزيعية. اي إنصاف مجتمعات تعمقت فيها الفوارق واتسعت الهوة بين المحرومين و المحظو ظين الى  حد بدأت  تحوم  فيه الشكوك حول جدوى الحرية بالنسبة لمن لا يملك شيئا .ولعل هذا ما يفسر اللامبالاة المتنامية للمواطنين بالشأن العام و عدم الاكتراث المتزايد للناس بالسياسة وانتشار القدرية و تضخم الأنانية  و انحصار مفهوم المواطنة. هذه التجليات  هي انحرفات تجعل النهج الليبرالي محفوفا بالمخاطر. مما يستدعي التدخل العاجل لاعادة النظر في مفهوم الدولة والديمقراطية. ان العدالة بما هي إنصاف  هي الدواء لشفاء الليبرالية من مرضها.ولا يوافق Rawlsراولز على أن تكون الدولة محايدة تحافظ على الأمن  و حماية النظام فقط .كما لتتوافق ان تتدخل الدولة في كل صغيرة و جليلة.بل يختار للدولة موقفا وسطا يسميها الدولة الإجتماعية التي تعمل بمعية المجتمع المدني على تقليص الفوارق . اما الديمقراطية ويقترح ديمقراطية ليبرالية ذات وجه إنساني.