مجزوءة الاخلاق - مفهوم الواجب - المحور الثالث: الواجب و المجتمع

تقديم المحور
يمكن اعتبار الإنسان كائن اجتماعي . اي أنه يستمد إنسانيته من العلاقات التي تربطه بالآخرين. ادا كان الأمر كذلك ، هل المجتمع هو المصدر الوحيد للواجب الأخلاقي ؟ الا يمكن ان نتحدث عن  واجبات اكثر و أوسع  من المجتمع الضيق ، أي  الواجبات الكونية او الإنسانية ؟
- ١-اطروحة علم الاجتماع الفرنسي " إميل دوركايم"
يشكل الواجب ، بوصفه اكراها اجتماعيا ، تجاوزا لإرادة الأفراد  .لأن  سلطة المجتمع على الأفراد ترسخ في وعيهم ما يجب القيام به من واجبات . ويقتضي هذا التصور التقليص من هامش حرية الفرد أمام سلطة المجتمع . "فضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا  عن المجتمع ، ولا يعبر إلا عنه ، وإذا تكلم ضميرنا فإنما يردد صوت المجتمع فينا "
واضح اذن ان "دوركايم " يعتبر الواجب الأخلاقي صدى الوعي الجماعي . اي أن  المجتمع هو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ، ويعمل بقوة على حفظها
-٢-اطروحة " هنري برغسون"
لا ينفي " برغسون" هذا البعد الإجتماعي الواجب الأخلاقي  الذي يدافع عنه "دوركايم" . لكنه ، يعتبرها" أخلاق  مغلقة" أخلاق تخضع لضغط المجتمع وواجباته المحدودة  و دات الطابع السكوني و التي تصبح مجر د عادات عند الأفراد. ليقترح" أخلاقا  مفتوحة" لاتخضع لواجبات  المجتمع فقط بل يتجاوزها نحو أفق أوسع  ،  نحو الإنسانية جمعاء . لأن  الاكتفاء بالواجب في بعده الإجتماعي  فقط ،قد يؤدي إلى خلق ممارسات منغلقة تولد الصراع و العنف والكراهية بين المجتمعات .في حين أن  التركيز على " القيم الإنسانية " والواجبات الكونية من شأنه  أن يساهم في توطيد العلاقات السلمية بين المجتمعات خصوصا أن  العالم اليوم ،امام  التطور التقني والعلمي، أصبحنا  فيه كأننا في بيت واحد ، وتحت سقف واحد نشترك في نفس المصير و ينتظرنا نفس القدر.
*الخلاصة
نستنتج مما سبق ، ان الواجب  يكتسي طابعا اجتماعيا  باعتبار الأفراد يكتسبون الواجبات ويتعلمونها بواسطة التربية والتنشئة الاجتماعية وذلك ما تعبر عنه الاختلافات  الموجودة في العادات والتقاليد بين الشعوب والقبائل. غير أن  التطور الذي عرفته المجتمعات المعاصرة ، فرض واجبات أكثر ،  تشمل البشرية جمعاء ، حيث ظهرت تحديات ومشاكل تقتضي تضافر الجهود من أجل  التصدي لها ومواجهتها.كالمشاكل البيئية .