مجزوءة الأخلاق = مفهوم السعادة= تقديم المفهوم + المحاور الثلاثة : تمثلات السعادة.

تقديم المفهوم
ترتبط السعادة في ادهان  الناس بالمتعة او اللذة او الثروة او غيرها من تمثلات الناس. إلا أن التفكير الفلسفي في السعادة يثير الكثير من التساؤلات :
- هل للسعادة مدلول واحد أم تتباين معايير تمثلها؟
- باي شكل تكون السعادة ممكنة ، وما سبيل تحققها ؟
- ما علاقة السعادة بالواجب ، هل هي علاقة تكامل او علاقة إعاقة للجواب عن هذه الأسئلة ، نقسم الدرس الى ثلاثة محاور :
١- تمثلات السعادة.
٢- البحث عن السعادة.
٣- السعادة و الواجب.
-اولا: تمثلات السعادة
تقديم المحور
كل التمثلات التي يقدمها عموم الناس للسعادة لا تتجاوز المدلول المادي الذي يتجه الى الارضاء و الإشباع الحسي للرغبات مما يجعلنا نتساءل عن دور العقل في تحقيق السعادة ؟
اطروحة "احمد ابن مسكويه"
رفض "ابن مسكويه" ربط السعادة باشباع اللذات المادية الحسية واصفا كل من يبحث عن السعادة في الماديات بالبهيمية والرعاع والسقاط. لأنهم يجعلون النفس العاقلة في خدمة الشهوة مما يؤدي إلى  قلب نظام الأشياء. في المقابل ، يعلي  "مسكويه" من شأن  السعادة العقلية . لأنها  تخص الإنسان وحده وتميزه عن بقية الكائنات ، الشيء الذي يجعل السعادة ملازمة للعقل ومرتبطة به .
إن  سعادة مسكويه  تكمن في التأمل  والتعقل والسمو بالإنسان  الى مستوى الكائن الفاضل لا إلى إشباع ملذات الدنيا الفانية.
-اطروحة "كانط"
يرى "كانط" أنه إذا  كانت السعادة هي الشعور بالرضى، فإن العقل ليس وسيلتها لأنه كلما نمت معرفة الإنسان ازداد الشوق إليها  والبحث والرغبةفيها .ان العقل بهذا المعنى عندما يطلب السعادة يخطئها مادام أنه "بقدر ما نعرف بقدر ما تزداد رغبتنا في المعرفة" .هنا يلتقي "كانط" مع "روسو" الذي لاحظ أن التقدم الفكري هو ابتعاد عن السعادة . هكذا تصور "روسو"السعادة في بساطة الحياة والاكتفاء بما هو ضروري فقط مادام ان البحث عن الكماليات هو سبب شقاء الإنسان. ان سعادة "روسو" هي ذكرى و حنين إلى الماضي . الى" حالة الطبيعة "حالة الاكتفاء الذاتي .
- خلاصة
يتبين مما سبق، أن السعادة من القضايا المصيرية للإنسان أي  مطلب إنساني وغاية قصوى قد تتحقق بالحكمة والأخلاق  الحميدة كما وضح مسكويه. وقد تكون حلما او ذكرى تذكرنا بحالة الطبيعة كما بين ذلك" جون جاك روسو".اما السؤال الذي يتبادر إلى الدهن في هذا السياق فهو : هل السعادة شخصية فردية ، أم عامة وجماعية ؟
-ثانيا: البحث عن السعادة.
عندما نبحث عن السعادة او نسعى إليها ، يغمرنا اعتقاد ان مانبحث عنه ونسعى إليه يوجد أمامنا أو  في المستقبل . لكن نتساءل ، هل السعادة فعلا أمامنا  في المستقبل ، أم ذكرى من ذكريات الماضي ؟ أكثر من ذلك، هل يتعلق الأمر بسعادة فرد او اوافراد منعزلين ، أم  أنها  مشتركة اجتماعية ؟ بعبارة أخرى ، هل يمكن للفرد الواحد منا ان يحقق سعادته وسط مجتمع شقي ؟
للجواب عن هذه الأسئلة. يرى "جون جاك روسو" أن  تحقيق السعادة يقتضي معادلة تكافئ الرغبة و القدرة . اي ان نكون قادرين على تحقيق كل ما نرغب فيه . هذه المعادلة الصعبة الإنجاز ، سبق أن كانت سهلة وفي متناول الإنسان وذلك في "حالة الطبيعة" عندها كان الإنسان  سعيدا لأنه  يكتفي ويشبع بما يتوفر عليه من أبسط الأشياء  ولا يبحث او يفكر في غير ما لديه . لأنه يعيش حياة طبيعية انفرادية بسيطة غير قابلة للمقارنة . اما و قد تغيرت الحياة بانتقال الانسان من حالة الطبيعة الى الحياة الاجتماعية وظهور الملكية الخاصة وتفاوت الناس فيما بينهم بين من يملك ومن لأيملك . كان ذلك كله سبب شقاء الإنسان  وتعاسته . ان السعادة بهذا المعنى ، ذكرى وحنين الى الماضي الى حالة الطبيعة .
هذا بالنسبة ل "روسو" الذي بحث عن سعادة الفرد او الافراد المنفصلين الذين يعيشون كل واحد في جزيرته الخاصة. اما بالنسبة لعالم الإجتماع  الفرنسي "إميل  دوركايم" فله رأي  آخر ، حيث بحث عن سعادة إجتماعية يشترك المجتمع برمته في بنائها و ذلك بإنجاز كل واحد  لواجباته التي اكتسبها بواسطة التربية والتنشئة الإجتماعية؛ فمن واجب الآباء القيام بواجباتهم الأبوية  ، وعلى الأبناء  القيام بواجباتهم ، كما يجب على الأستاذ  والتلميذ والطبيب والفلاح وغيرهم ان ينجز  كل واحد واجباته لتتحقق بذلك سعادتنا جميعا . إن  السعادة بهذا المعنى شأن  تقتضي تضافر الجهود مادام من الصعب  الحديث عن السعادة بالمعنى الفردي .
خلاصة القول ، نستنتج مع "باشلار":" لكي تكون سعيدا ، عليك ان تفكر في سعادة الآخر ".
- ثالثا : السعادة و الواجب .
ان إثبات ارتباط سعادة الفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه ، من شأنه  أن يضعنا أمام السؤال التالي: ما علاقة السعادة بالواجب؟ أو  بعبارة أخرى ، هل من الواجب على كل فرد ان يفكر في سعادة الآخرين ؟
للجواب عن هذا السؤال ، سبق لنا ان تحدثنا مع " كانط" عن اعتبار الواجب غاية في ذاته . اي من الواجب على كل فرد أن يحترم الواجبات مهما كلفه ذلك من عناء . لأن عدم  احترامها  يؤثر سلبا  على البشرية جمعاء ويمس كرامتها . اي ، يعرقل سعادتها ويسيء إليها . لأن سعادتنا وانسانيتنا ليست شيئا آخر  غير كرامتنا الواحدة والغير القابلة للتقسيم أو التجزيء .
أكثر  من ذلك ، يرى "دوركايم" ان الشعور بالرضى أو السعادة  مرتبط بإنجاز الواجبات الإجتماعية  وأن  أي  تهرب او تهور في ذلك يعرض صاحبه للتوبيخ والعقاب واللوم الإجتماعي . إن  الضمير الأخلاقي الذي اكتسبه الإنسان بواسطة التربية هو الذي يكرهنا ويلزمنا على إنجاز الواجبات التي ألقاها المجتمع على عاتقنا لنشعر بالرضى  ، رضى النفس الذي يترتب عنه  السعادة .
خلاصة القول : إن علاقة السعادة بالواجب علاقة وطيدة بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر خصوصا في واقعنا الراهن الذي أصبحت فيه متطلبات الإنسان كثيرة يصعب على كل واحد منا مهما اوتي من قوة او حكمة أن  يلبي كل متطلبات الحياة .لهذا أصبح من الضروري أن تتضافر جهودنا جميعا لمحاربة أسباب الشقاء  من فقر وجهل وبطالة وكل الأمراض التي تصيب المجتمع . هكذا تكون السعادة شأنا عاما مادام ان الإنسان كائن اجتماعي لا يسعد إلا  بسعادة الاخرين.