مجزوءة الاخلاق - مفهوم الواجب

تقديم
يمكن أن نقول من البداية ان الإنسان  كائن أخلاقي. اي ان الاخلاق هي ما يميزنا عن الحيوانات . ادا كان الأمر كذلك فإن السلوك الأخلاقي سلوك عاقل، والعقل في اللغة رباط يمنع الإنسان من فعل الشر و يجره و يربطه بالخير و الفضيلة بهذا سندرس مجزوءة الأخلاق بواسطة المفاهيم الثلاثة الآتية:
١- الواجب
٢- السعادة
٣- الحرية
اولا: مفهوم الواجب
تقديم المفهوم
يرى " نيتشه" : " أن  واجباتنا هي تلك الحقوق التي للاخرين علينا". بهذا يرتبط الواحب بالحق. فادا كان الحق هو ما للإنسان ، فإن  الواجب هو ما عليه. لذلك نقول أن الحق والواجب هو تعبير عن " ما لك وما عليك " اما  إشكالية الواجب فيمكن صياغتها على الشكل التالي:
١ = الواجب بين الإلزام و الإلتزام. 
٢= الوعي الأخلاقي او الضمير الأخلاقي. 
٣= الواجب و المجتمع.
* اولا: الواجب بين الإلزام  و الإلتزام. 
ادا كان الواجب هو ما يجب على الإنسان  القيام به او عدم القيام به ، فهل نحن مكرهين مرغمين ومجبرين أمام القيام بالواجبات ؟
ادا كان الجواب بنعم ، فهل هذا الإكراه صادر عن الذات ونابع منها ، أم مفروض عليها من الخارج؟
أمام هذا التقابل الذي يضع الواجب بين الالزام والإلتزام ، يرى الفيلسوف الالماني "كانط" ان الواجب او القانون الأخلاقي  أمر  قطعي يفرضه العقل الاخالاقي على الإرادة . لأن الإنسان  بطبيعته يميل إلى التراخي  وإلى  تأجيل  الواجبات  لذلك يتدخل العقل لفرض احترام الواحب . ان الواجب  بهذا المعنى  إكراه حر . فكيف جمع" كانط"  بين الواجب والحرية ؟ او بالاحرى  كيف يمكن الجمع بين الإلزام و الإلتزام في القيام بالواجب؟ يرى "كانط" ان الأمر الأخلاقي  خير محض لأنه صادر عن الإرادة الطبية.وغاية في ذاته . لذلك كله يكون الواجب اكره  الذات لذاتها لفعل الخير اي إلزام والتزام في نفس الوقت . ان الواجب بهذا المعنى  يستمد قيمته من ذاته اي ليس وسيلة. فلا نقوم بالواجبات إلا  لأنها واجبات لاننتظر وراءها جزاء ولا شكورا.
لتوضيح هذه الأطروحة يحضر أمامنا  مثال "واجب احترام  قانون  السير" حيث نلاحظ في واقعنا بعض مستعملي الطريق الذين لا يحترمون قانون السير الا عند وجود الراقية. ان احترام القانون هنا مشروط بوجود الرقابة .اي ان هؤلاء يحترمون القانون لأنهم يخافون من الغرامات والعقوبات مما لا يستقيم مع ما يسعى إليه الفيلسوف "كانط" الذي يرى ضرورة احترام القانون  لأنه  قانون فسواء وجدت الرقابة أم لا ، يقتضي الواجب احترام القانون . ما دام ان القيام  بالواجب احترام لكرامة الإنسان. وانعدام احترام القانون الأخلاقي  مس بكرامة و إنسانية الإنسان.  لأن هذا الأخير  كائن أخلاقي. لذلك نلاحظ أننا ننعت الإنسان ونشبهه بالحيوان كلما صدر عنه سلوك غير أخلاقي.
غير ان هذه الأطروحة  الكانطية بقدر قوتها النظرية و الفلسفية  لأنها تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار، لا تخلو من انتقادات  .
أهمها  انتقاد  الفيلسوف  الفرنسي " جون ماري غويو " الذي لاحظ أن صرامة أطروحة"  كانط" ومثاليتها  تتجلى في إقصاء الميولات والقدرات مما جعل الواجبات شاقة و  تعرض الحياة للخطر.ان قطعية الأمر الأخلاقي عند "كانط" محفوف بالمخاطر لأنه  يكلف الإنسان ما لا يطيق . لهذا يرى "غويو" أن الواجب  لا يمكن ان يتجاهل قدرات الناس وميولاتهم . اي ان لكل واحد منا واجبات تناسب قدراته، فواجبات القوي او الغني مثلا أكثر  من واجبات الضعيف او الفقير . أما القاعدة هنا فهي" بقدر مالك من قدرات بقدر ما عليك من واجبات"بهذا نجح "غويو" من إخراج   الواجب من طابعه المطلق والكلي الذي أغرقه  فيه"كانط" واكسبه  طابعا نسبيا واقعيا يراعي قدرات الناس و وميولاتهم.
واخيرا، نستنتج أن الواجب بالمعنى المطلق رغم كليته وعموميته ، لم يفقد راهنيته وأهميته خصوصا حين نتحدث اليوم عن واجباتنا نحو الأجيال  اللاحقة أو  ما يسمى "التنمية المستدامة" فالاسراف  في استعمال الماء مثلا مس بحق من حقوق الأجيال  اللاحقة. لهذا من الواجب علينا استحضار مستقبل الإنسانية  واعتباره من الواجبات الأخلاقية التي لاتقل أهمية من الواجبات الوطنية او غيرها  . لأن مستقبل البشرية مسؤولية الجميع .