مجزوءة الفاعلية و الإبداع: مفهوم الفن

- تقديم المفهوم 
نقصد بالفن عموما كل عمل إبداعي  تم إنجازه  بعناية. بهذا نتحدث عن الخبرة و المهارة . لكن الإنسان  لا يكتفي بالبحث عن الخبرة و المهارة فحسب ، وإنما  نجده أيضا فنان يبحث عن الجمال ولا يقف فقط عند النافع و المربح . ان الفن كفاعلية إنسانية هو السعي إلى  تجويد الواقع بواسطة الخيال . اي التفكير في واقع أحسن  وأجمل  من الواقع المعيش . لذلك نتساءل :
- ما الذي يميز الفن عن غيره من انتاجات الفاعلية الإنسانية ؟ أو  ما الذي يجعل عملا ما عملا فنيا ؟
- ما علاقة الفن بالحكم الجمالي؟ ومن أين  يستمد  الجميل جماله ؟
- هل الفن إبداع يمتلك حقيقته الخاصة ، أم  هو مجرد تقليد و محاكاة ؟
- المحور الأول: ما الفن؟
الجواب عن سؤال هذا المحور نحلل نص "ماهية الفن"
- صاحب النص "مارتن هيدجر" الصفحة 114 من الكتاب المدرسي. مع مناقشة أطروحة هذا النص بواسطة  النص المحاور في الصفحة الموالية 115للفيلسوف الألماني " هانز- جورج غادمير" بمتابعة الفديو التالي :

خلاصة : يتضح من التحليل والمناقشة ان الفن يستعمل الواقع من أجل تجاوزه أي أن المبدع او الفنان يستعمل الأشياء المتداولة بين الناس والمتاحة لكل الناس ولكن   يتميز عمل الفنان  ويصبح ابدعا منفردا وعجيبا وغير قابل للتكرار.
- المحور الثاني : الحكم الجمالي
ما معنى قولنا : هذا شيء جميل ؟ على أي  أساس  يقوم هذا الحكم ؟ هل جمال الشيء أو قبحه   حكم ذاتي أم  موضوعي ؟ أو بعبارة أخرى ، هل الجميل جميل في ذاته أم أن  الأمر  مجرد حكم ذاتي يختلف من شخص لآخر  ؟
للجواب عن هذه الأسئلة ، سنقف عند اطروحتين فلسفيتين مختلفتين :
- اولا ● أطروحة "كانط" الذي. يعتبر الحكم الجمالي حكم ذوقي ذاتي وليس موضوعي لأنه صادر عن ملكة الحكم باعتبارها قدرة إنسانية على الإحساس بالجميل والقبيح.  انه حكم يرتبط بالشعور الذاتي و لا يرتبط بأية  قاعدة موضوعية أو  مفهوم عقلي .

- المفاهيم 
تتضمن أطروحة"  كانط" مجموعة من المفاهيم التي تتطلب التوضيح وهي :
- الحكم الجمالي : وهو حكم ذاتي مرتبط بالذوق.
-  ملكة الحكم: هي قدرة الإنسان  على الإحساس بمشاعر اللذة والاشباع والاستحسان و الاستهجان .
- الذوق: إحساس  بالجميل وملكة إصدار حكم جمالي على الأعمال الفنية .
- الحكم الذوقي: حكم جمالي مصدره الشعور بلذة ذاتية مجرد عن كل قاعدة أو محدد موضوعي.
- القاعدة الموضوعية : وهي قاعدة تحدد الحكم بواسطة مفهوم عقلي وتشكل معيارا كونيا .
هكذا يتضح أن  الحكم الجمالي بالنسبة ل"كانط"حكم مصدره الذات. اي أن  حكمنا على الأعمال الفنية يستند إلى سوقنا وليس الى قواعد عقلية او موضوعية .
- ثانيا● أطروحة "كريستيان دولكمبان"هذا المفكر الفرنسي المعاصر المهتم بالفن ، له رأي  آخر مختلف عن الأول حيث بين كيف ان الحكم الجمالي حكم موضوعي .لأن العمل الفني ، في نظره، عمل أصيل وعميق يستطيع أن يوجه فكرنا نحو فهم أفضل للواقع. بل يرى أن للفن وظيفة مماثلة لكل أشكال  المعرفة الإنسانية.  أكثر  من ذلك ، تقاس القيمة الحقيقية للعمل الفني في قدرته على جعلنا نفكر في أشياء لم و لن نفكر فيها لولا هذا العمل الفني .
■ خلاصة واستنتاج
إذا  كان "كانط" يعتبر الحكم الجمالي حكم ذوقي ذاتي وليس موضوعي  ، فإن " كريستيان دو لكمباني" يرى أن الحكم على العمل الفني لا يجب ربطه بالذوق او الذات وإنما باسباب موضوعية . لأن  ميلنا الى العمل الفني مرده الى اصالته وعمقه وقدرته على توجيه الفكر البشري الى فهم اعمق للواقع . معنى هذا أن  الحكم الجمالي حكم معقد يمتزج فيه ماهو ذاتي بما هو موضوعي .
- المحور الثالث : الفن و الواقع
 ما علاقة الفن بالواقع؟ هل العمل الفني ينحصر في تصوير الواقع واستنساخه ،ام يتجاوزه  وذلك بمحاكمته وهميا لاغراض إبداعية ؟
الجواب عن هذه الأسئلة يرى الباحث الفرنسي المعاصر المختص في تاريخ الفن "بيير سوفانيت"(نص: وهم المحاكاة .ص:122 ) ان الفن محاكاة وأهمة وليست غايته هي تصوير الواقع كما هو او استنساخه ، وإنما تجاوزه والكشف عن الوجه الخفي فيه .
- مفاهيم النص
استعمل صاحب النص مجموعة من المفاهيم في بناء أطروحته :
☆ الفن : وهو محاكاة واهمة للواقع .أي تخطي الواقع الملموس وإبداع جديد بواسطة الوهم.
☆ المحاكا ة : وهي التصوير الإبداعي  الواهم للواقع وليس تصويره كما هو .
 البنية الحجاجية
لتوضيح أطروحته والدفاع عنها ، اعتمد صاحب النص الحجج التالية :
• حجة الاستشهاد : لإضفاء طابع القوة والسلطة لاطروحته التي تعتبر الفن إبداع ؛ استشهد بلوحة الفنان الفرنسي"تيودور جيريكو" التي تصور سباق الخيول(سباق ايسون) حيث تظهر القوائم الأربعة  للخيول مرتفعة جميعها عن الأرض  في نفس الوقت وذلك لبيان سرعة الركض ، الأمر  الذي يبدو في الواقع مستحيلا. مما يؤكد أن الفن ليس هو إعادة  إنتاج الواقع واستنساخه وإنما محاكاته بشكل واهم .
• حجة المقارنة : تتجلى في مقارنته بين الفنان والة التصوير ، ولاحظ ان الفنان هو الصادق  وآلة  التصوير هي الكاذبة في قراءة وفهم حقيقة سباق الخيل في لوحة الفنان "  جيريكو"
- خلاصة: يبدو أن "سوفانيت" قدم تصورا لعلاقة الفن بالواقع يرى فيه ان الفنان مطالب بتغيير الواقع والكشف عن أسراره وليس استنساخه ونقله كما هو .
■ المناقشة : لمناقشة أطروحة النص ،  ننتقل إلى النص المحاور ( الصفحة 123 ) حيث يرى الفيلسوف الألماني  المعاصر  " أرنست كاسيرر" هو الآخر  أن الفن لايقوم  بتشويه الواقع أو تزييف أو تكراره ، وإنما يوجهنا ويسعفنا نحو الكشف عن غنى الحياة وتنوعها . لأن الفن الحقيقي هو الفن الذي يساعدنا على الكشف عن غنى الحياة والبحث عن الدلالات الجديدة التي يخفيها هذا الواقع.
 خلاصة المحور : كلا الأطروحات السابقتين تؤكدان  ان الفن إبداع  وابتكار لواقع جديد يكون أكثر وضوحا وغنى من الواقع الراهن .